فصل: الرد على هذه المزاعم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.الرد على هذه المزاعم:

وإليك الرد على هذه المزاعم التي زعمها بلاشير ومتابعه مندور:
1- هذه الروايات لا تثبت أمام النقد العلمي النزيه، ومعظمها روايات باطلة المعنى واهية الإسناد، والاعتماد على أمثال هذه الروايات التي ليس لها زمام ولا خطام تجن على العلم وعلى الحقيقة، ولو لم يكن في نقد هذه المرويات إلا أنها مخالفة للمعقول وما صح من المنقول، وما أجمع عليه المسلمون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا مما هو منقول نقلا متواترا، لا يتطرق إليه الشك والارتياب، لكفى فما بالك وهي معلولة الأسانيد وصدق ابن الجوزي الناقد حيث قال: ما أحسن قول القائل: كل حديث رأيته تخالفه العقول، وتناقضه الأصول، وتباينه النقول فاعلم أنه موضوع، وقد عرضنا لهذه المرويات آنفا، وبينا أن معظمها لا يصلح للاحتجاج به، وبعضها على تسليم صحته له مخارج صحيحة.
2- إن مثل هذه البحوث التي تتعلق بكتاب الله، الذي توفرت له كل وسائل الثبوت واليقين والتحوط البالغ لسلامة النص من التحريف والتبديل والتغيير، لا يجوز ولا يليق بباحث أن يعتمد فيها على روايات تذكر في كتب الأدب أو التاريخ، أو يتندر بها بعض الناس في مجالسهم من غير أن يكون لها أسانيد ثابتة، ولكن المستشرقين وأبواقهم في سبيل تحقيق مزاعمهم يصححون الضعيف، ويعتمدون على المكذوب، على حين نجدهم يضعفون الصحيح من الأحاديث ولا حامل لهم في هذا وذاك إلا الهوى والتشهي والتجني الآثم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الكريم.
3- إن هذه التوسعة في الحروف السبعة لم تكن بالهوى والتشهي وإنما كانت في حدود المنزّل من عند الله بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم عقب سماعه قراءة كل من المختلفين «هكذا أنزلت»، وقد نبهت على ذلك آنفا فكن على ذكر منه.
4- إن البحث العلمي الصحيح الذي يكون القصد منه إصابة الحق والصواب يلزم الباحث النزيه فيما إذا وردت روايات متعارضة أن ينقدها من ناحية السند- النقد الخارجي- ومن ناحية المتن- النقد الداخلي- ولا يزال يمحص الروايات، ويوازن بينها مع ملاحظة ما يوافق البيئة منها، وما لا يوافق، حتى يهتدي إلى الحق والرشاد، أما أن يأخذ ما يشاء على حسب هواه فتلك خيانة للبحث العلمي الصحيح، ثم إن جاز هذا من باحث متعصب ك بلاشير فكيف جاز ذلك من باحث مسلم كمصطفى مندور!!
5- إن المعوّل عليه في حفظ القرآن الكريم هو التلقي الشفاهي فعن النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه ألوف الصحابة العدول الضابطين، وعن الصحابة تلقاه ألوف الألوف من التابعين ولم يكن المعول عليه في الحفظ الصحف أو المصاحف وإنما كانت الكتابة في الصحف والمصاحف لزيادة التوثق والاطمئنان ولا يزال الاعتماد في حفظ القرآن على الشيوخ الحافظين المتقنين إلى يومنا هذا، وهذا القرآن المكتوب في المصاحف ثبت بحفظ الألوف الذين لا يحصيهم العد وأجمع عليه المسلمون في كل عصر وقطر، فكل ما جاء من روايات مخالفة له مخالفة صريحة أو ضمنية فاضرب بهذه الروايات عرض الحائط، وارم بهما دبر أذنيك فإنها لا تساوي المداد الذي تكتب به، والروايات الآحادية وإن صحت لا تعارض ما ثبت بالتواتر، فما بالك إذا كانت الروايات الآحادية ضعيفة.
6- في كلام بلاشير ومتابعه (مندور)، تناقض ودعاوى وافتراضات لم يقم عليها دليل فمن ذلك ما ذكر بلاشير من أن مصحف عثمان قد بسط نفوذه... فكيف يتفق هذا وقوله: فبالنسبة إلى بعض المؤمنين لم يكن نص القرآن بحرفه هو المهم! ثم كيف ضرب عن الروايات الصحيحة المتكاثرة صفحا وزعم أن نظرية القراءة بالمعنى كانت تكل تحديد النص إلى (هوى كل إنسان)!
ثم ما قيمة التخمينات والافتراضات في بحث يتصل بكتاب يعتبر عند المنصفين خير الكتب السماوية وأفضلها بله الأرضية ثم أين النصوص الكثيرة التي أيدت فرية قراءة القرآن بالمعنى يا دكتور مندور وما ذكرت إلا بضعة نصوص ضعيفة متهالكة متهافتة وقعت عليها في كتب الأدب ونحوها التي لا اعتبار لها في موازين أهل النقد والرواية! ثم من هم الكثيرون الذين زعمت أنهم اتفقوا على جواز القراءة بالمعنى! وصدق القائل:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بيّ ** نات أبناؤها أدعياء.

.جملة الأقوال في الأحرف السبعة:

وقد بلغ بها السيوطي- نقلا عن ابن حبان- إلى خمسة وثلاثين قولا ثم قال: قال ابن حبان: فهذه خمسة وثلاثون قولا لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا، وكلها محتملة ويحتمل غيرها.
وقال أبو العباس المرسي: هذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر، مع أنها كلها موجودة في القرآن فلا أدري معنى التخصيص؛ ومنها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة، وأكثرها معارضة حديث عمر وهشام بن حكيم، الذي في الصحيح؛ فإنهما لم يختلفا في تفسيره، ولا أحكامه وإنما اختلفا في قراءة حروفه، وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبع وهو جهل قبيح.
أما ما استشكله من حديث عمر وهشام فقد بينا مفصل الحق فيه بما يزيل الإشكال ويطمئن القلب، وبحسبنا ما ذكرنا من الأقوال في هذا المقام فقد أعرضنا عن القشور، واكتفينا باللباب.

.موقف الشيعة من حديث الأحرف السبعة:

أما موقف الشيعة من حديث «نزل القرآن على سبعة أحرف» فكانوا على فريقين فمنهم من يرى صحة الحديث، ولم يطعن فيه، وذكر بعض الوجوه في تأويله، ويمثل هذا الفريق الأستاذ الشيخ أبو عبد الله بن الميرزا نصر الله الزنجاني رحمه الله في كتابه تاريخ القرآن، فقد ذكر بعض الأحاديث التي رواها البخاري وغيره في هذا الباب، ثم قال: دلت هذه الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ القرآن بعض عظماء الصحابة، ويهتم بأن يحفظوه حتى قال لأبي: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك...» ودلت أيضا على أن الصحابة كانوا يهتمون بحفظ نصوص الآيات بحيث كان زيادة حرف واو ونقصيتها أمرا مهتما به مع أن ذلك لا يغير المعنى كثيرا.
وكذلك عرض لبيان المراد بالأحرف السبعة، ومال إلى ما رآه الإمام محمد بن جعفر بن جرير الطبري في تفسيره وهو ما رجحناه آنفا.
ويمثل الفريق الثاني- وهم الأكثر- السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن، فقد عرض لبعض الروايات الثابتة الصحيحة التي ذكرناها في صدر البحث وقد حاول أن يثبت أنها أحاديث مضطربة متناقضة وأنها ضعيفة الأسانيد من غير أن يقيم على ذلك بينة غير أنها واردة من طرق أهل السنة فهي مرفوضة في نظره وهي أيضا مخالفة لصحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر قال: إن القرآن واحد، نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة، وأن الصادق عليه السلام حكم بكذب الرواية المشهورة بين الناس «نزل القرآن على سبعة أحرف» وقال: «ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد».
ولا أدري كيف يستسيغ إخواننا الشيعة أن يردوا حديثا متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية واحد وعشرين صحابيّا عدولا ضابطين، بروايات مقطوعة على التابعين ومن بعدهم، وليس مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا موقوفة على الصحابي ومهما بلغ شأن التابعي أو تابع التابعي فلن تبلغ روايته مبلغ الرواية المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصلح أن تكون معارضة لها بل لو وردت رواية عن بعض الصحابة، وورد عن النبي ما يخالفها أخذنا بالرواية المرفوعة ورفضنا الموقوفة، وهذا هو المنهج الصحيح الذي لا ينبغي أن يختلف فيه شيعي أو سني وهذا هو المنهج العلمي الصحيح الذي وضعه أئمة هذا العلم النبوي في كل عصر ومصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا.
وماذا نملك للشيعة ما دام مذهبهم رفض كل المرويات التي رويت في كتب أهل السنة مهما بلغت من الصحة، وثقات رواتها! إذا عارضت ما روي عن أهل البيت.
يقول السيد الخوئي: ولا قيمة للروايات إذا كانت مخالفة لما يصح عنهم (أي عن أهل البيت) ولذلك لا يهمنا أن نتكلم عن أسانيد هذه الروايات، وهذا أول شيء تسقط به الرواية عن الاعتبار والحجية وهذا المبدأ أبعد ما يكون عن المنطق والصواب فأي راو مهما بلغ من العلم أو النسب غير معصوم، وما دام الأمر كذلك فلتوزن هذه الروايات وغيرها بالميزان الذي وضعه أئمة الجرح والتعديل، وليتعرف صحيحها من سقيمها من موضوعها بالقواعد التي وضعها أئمة أصول الحديث، والتي تعتبر ميزان المنقول، كما اعتبر المنطق ميزان المعقول، ولكي تكون على بينة مما ذكره السيد الخوئي ومنزلته من الحق والصواب أذكر لك بعض المثل مما انتقد به المرويات:
يقول: فمن التناقض أن بعض الروايات دل على أن جبريل أقرأ النبي على حرف فاستزاده النبي- فزاده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، وهذا يدل على أن الزيادة كانت بالتدريج، وفي بعضها أن الزيادة كانت مرة واحدة في المرة الثالثة وفي بعضها أن الله أمره في المرة الثالثة أن يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف، وكان الأمر بقراءة سبع في المرة الرابعة.
وفي الحق أن هذا لا يعد تناقضا ولا اضطرابا ترد به الروايات لأن إمكان الجمع بينها سهل يسير لجواز أن لا تكون هذه الأحاديث في قصة واحدة بل تكون في قصص ولقاءات متعددة، ففي بعضها أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الرابعة، وفي بعضها أخبره في المرة الثالثة، أو بالعكس، أو تكون في قصة واحدة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها في أوقات متعددة ففي وقت اكتفى النبي بالإجمال، وفي وقت آخر سلك مسلك التفصيل فجاء الرواة فرووها كما سمعوها أو أن ذلك يرجع إلى أن بعض الرواة قد يقتصر على بعض المرات، والبعض يستوفي المرات، وقد علق العلماء على الروايات فيما سبق بنحو ذلك على أن هذه الأمور اليسيرة السهلة لا تطعن في صحة الحديث نفسه ما دامت الروايات كلها في النهاية تتفق على ذلك، وكل ما ذكره من تناقض أو اختلاف فهو أهون شأنا من هذا.
أما الطعن في هذا الحديث بأن الزيادة على الحرف الواحد إنما جاءت من الرواة، فلا أدري أنصدقه فيما زعم، ونرفض ما رواه الأئمة العدول الضابطون، وما يكاد تجمع عليه الأمة سلفها وخلفها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا! وفيه الصحابة الأجلاء، والأئمة العلماء الذين حكموا بتواتر هذا الحديث، ومعروف أن الحديث المتواتر يفيد القطع واليقين في نسبته إلى قائله!! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ولا أدري كيف نرجح ما جاء في صحيحة زرارة بن أعين المنقطعة بقول إمامين كبيرين، وهما سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة على أحاديث مسندة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تفيد بمجموعها التواتر المعنوي!
بل كيف نرجح ما يوجد في كتاب رجل حكم عليه جعفر بن محمد الباقر بأنه من أهل النار أحبّ من علماء الشيعة أن يراجعوا أنفسهم في مثل هذا الكلام الذي لا يشهد له عقل، ولا نقل صحيح، وإنما هي ظنون وتخرصات لا تغني عن الحق شيئا!!.